في الحقيقة أنا لم أعمل مباشرة في مناهضة العنف ضد المرأة مثل زميلاتي اللواتي تفضلن بالكلام قبلي، ولكني عملت ضد كل أنواع العنف التي يتعرض لها مجتمعنا والتي تنعكس على الرجال وعلى النساء على حد سواء، وعلى المستويات الثلاث التي تحدثن عنها الزميلات.
عملت ضد عنف الاستبداد والديكتاتورية منذ الثمانينات في سورية. وفي بداية أعوام الألفين نزلنا إلى الشارع مطالبين بالحرية السياسية وحقنا بالحياة الديمقراطية وتعرضنا لعنف القمع والمنع. وعملت ضد عنف الاحتلال والحرب ونزلنا إلى الشارع يوميا ضد عنف الاحتلال الصهيوني ووحشيته في فلسطين، وضد عنف الاحتلال الأمريكي للعراق، كما عملت ضد عنف السياسات الاقتصادية الليبرالية الجديدة.
أثناء هذا النضالات المتنوعة لا حظنا، نحن مجموعة من النساء الديمقراطيات في سورية، أن المشاركة النسائية محدودة في هذه النشاطات. وعندما يتعلق الموضوع بالديمقراطية يظهر فقر الوجود النسوي أكثر، لأن الديمقراطية تحديداً تتناقض مع المجتمع الذكوري. لذلك فقد عملنا على تأسيس جمعية "نساء من أجل الديمقراطية" هدفها المباشر هو العمل على تفعيل المشاركة النسوية في كل مناحي الحياة. ومهمتنا المباشرة كانت في أن نشكل مجموعة رصد ومراقبة وضغط على الجمعيات والأحزاب التي تسعى لتحقيق التغيير الديمقراطي، من أجل تطوير المشاركة النسائية فيها وفي هيئاتها القيادية، لأن الديمقراطية لا يمكن ان تتحقق بدون المشاركة الفعالة للنساء. وهذه التعبيرات المجتمعية يجب أن تتضمن مواصفات المجتمع المنشود منذ الآن حتى نمتلك الثقة بأنها لن تعيد إنتاج مشاكلنا التي كانت سائدة سابقاً.
وضعنا مطلباً مباشراً بأن تكون المشاركة النسائية في أي هيئة قيادية أو قاعدية بنسبة ثلاثين بالمئة. وذلك للوصول فيما بعد إلى النسبة الطبيعية وهي خمسين بالمئة. وقد كنا مع التمييز الايجابي للمرأة في الانتخابات.
في المجتمع الذكوري لا مفر من التمييز الايجابي للمرأة بدعمها كي تصل إلى مراكز القرار. ففي سورية المشكلة الأساسية عندنا هي في قانون الأحوال الشخصية، ولا يوجد عندنا ظلم للمرأة على صعيد قوانين العمل والانتخاب والمشاركة النسائية، ولكن المشكلة أكبر من مجرد وجود مساواة قانونية. وسأسوق لكم مثالا من واقعنا: في نقابة المهندسين وأثناء انتخابات وحدات المكاتب الهندسية التي شاركت فيها في العام الماضي، كنت في وحدة قطنا للمكاتب الهندسية حيث تبلغ نسبة المهندسات 30 بالمئة تقريبا منها، وقد كان مطلوباً انتخاب قائمة من عشرة أسماء للمرحلة الأولى من الانتخابات.
أي من الطبيعي جداً أن يكون في القائمة ثلاث مهندسات. ولكن أثناء حملتنا الانتخابية عرفنا أن أكثر الرجال تحمساً لمشاركة المرأة المهندسة سوف يضع اسم امرأة واحد فقط. أما الآخرين فسوف يضعون الأسماء العشرة من الرجال. وكان قد ترشح عدة مهندسات، ثم بقينا ثلاثة مهندسات نتيجة القناعة بأن تشتيت الأصوات المناصرة للمرأة قد يؤدي إلى عدم نجاح أي امرأة. ثم اضطررت أنا أن انسحب لصالح إحدى المهندسات كي تنجح مهندسة واحدة على الأقل. وفعلاً هذا ما حصل، ونجحت مهندسة واحدة في الانتخابات.
وفي الكثير من وحدات المكاتب الهندسية الأخرى لم تنجح ولا مهندسة واحدة. ولو كان لنا كوتا انتخابية ثلاثين بالمئة لكان ترشح عدد أكبر من المهندسات لأن أملنا بالفوز بعدة مقاعد سوف يكون مضموناً. وبدونها سيعيد المجتمع الذكوري إنتاج نفسه.
لقد قمنا بإطلاق الجمعية في ربيع هذه السنة. ولكن على ما يبدو أن السلطات في سورية لا تريدنا أن نراقب هذه المشاركة النسوية. ولأن كل عمل مستقل هو ممنوع، فقد صدرت أوامر بمنع النساء المؤسسات من السفر. وتوقف نشاطنا في بدايته. وقد كنت أنا خارج سورية بالصدفة عندما صدر أمر منعي من السفر.
إن هذا يؤكد ضرورة نضالنا ضد كل أنواع العنف. وأننا يجب أن نشارك في صياغة الحياة التي نعيشها. ويجب أن نصل إلى مراكز القرار. وبالنسبة للعنف الذي يمارس ضد النساء لن يتراجع دون وصولنا إلى المناصب التي تؤهلنا لتعديل القوانين أو سن قوانين جديدة من شأنها أن تكافح كل أشكال العنف. كما يجب أن نتواجد في مراكز المراقبة والمحاسبة القانونية والقضاء حتى نشكل قوة رادعة فعلا للعنف الذي يمارس ضد المرأة.