هل الطلاق بيد الرجل أمر عادل ؟
الشيخ / محمد العوضي الباحث في الفكر الإسلامي:
حينما جاء الإسلام حمل في طيات أحكامه كل الحقوق التي لم تنلها المرأة في أي شريعة وضعية سابقة أو لاحقة، ولكن ككل منهج قويم تجد من يقف موقف المشكك منه ومن أحكامه خاصة فيما يتعلق بالمرأة من دون تبين أحيانًا، ويعتمد الإساءة أحيانًا أخرى ..
لذا سنتناول في هذه السلسلة وتحت عنوان، لماذا تظلمون المرأة، بعض تلك القضايا التي تبناها المشككون في الأحكام الشرعية وبيان الحقيقة فيها ومنها قضية القوامة والشهادة والتعدد والضرب.
لا شك أن الطلاق هو الدواء المر الذي يأتي في الأوقات التي توصد فيها الأبواب، ولا يكون هناك سبيل لاستمرار الحياة الزوجية، وكل المذاهب والأديان التي أوصدت أبواب الطلاق وكانت تعتبره نقيصة اضطرت إلى الأخذ به ليس قناعة بالإسلام، ولكن لأن الواقع فرض عليها ذلك.
والطلاق لا يكون بكلمة لأن الله سبحانه يقول: (الطلاق مرتان ) ولم يقل كلمتان، والمرة هي الحدث في الزمن، كذلك نحن نعرف أن هناك الطلاق الرجعي، فيطلق الرجل المرأة أول مرة ثم تظل عنده في البيت، وبمجرد محادثتها ومؤانستها وحدوث التراضي بينهما ترجع تلقائيًا، بإجراءات كثيرة وليست مجرد كلمات كما يعتقد البعض.
بيد الرجل ـ أمر عادل
وقد يتيقن من أول وهلة لهؤلاء الذين يعارضون كونه بيد الرجل، أن إعطاء الرجل هذا الحق يبدو تمييزًا من الشارع لهذا الرجل، وهؤلاء لا ينظرون بميزان العدالة بل ينظرون بعين غير سوية.
لأنه لما كان الرجل مكلفًا بدفع المهر وبالنفقة ومغارم كثيرة أخرى، لابد أن يكون له في مقابلها مغانم، ومن بين المغانم أن يكون الطلاق بيده لفظًا أكيدًا يقوله في حال إرادة مطلقة دون إكراه، فالرجل ينفق ويعطي.
والمرأة من حقها هذا العطاء، لذا يكون الرجل حريصًا على بيته وأن لا يخسر، ومن ثم يتريث في مسألة الطلاق.
لذا فقضية الموازنة بين المغارم والمغانم فيها عدالة، وتعود إضافة إلى ذلك إلى قضية البعد والاختلاف السيكولوجي بين الرجل والمرأة، فكثيرًا ما نجد أن طابع المرأة العاطفي يغلب عليها، ولو كان الطلاق بيدها لطلقت في اليوم ألف مرة، والتكوين النفسي للرجل والمرأة مختلف ويؤيد ذلك العديد من الدراسات النفسية، لذا يتحتم علينا أن نقتنع بأن الطلاق يجب أن يكون بيد الرجل.
المرأة لها حقوق أيضًا
وينبغي القول بأن الشريعة وضعت احترازات واحتياطات في مسألة الطلاق، حتى تضيق من مسألة الطلاق وتقلل من تعسف الرجل، فأمرتنا بالدخول للحياة الزوجية بشروطها الربانية فنحن نفرط في شروط الدخول ثم نشكو من إيقاع الطلاق، فعندما يتغاضى الناس عن قوله صلى الله عله وسلم (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)، وعندما يفرطون في حل الخاطب في النظر لمخطوبته، ويفرطون في قضية الغش فسيذكرون للفتاة صفات معينة، ويظهر عكسها تمامًا كأن يكون بضعف العمر المتفق عليه، ويتضح أن لديه عيوبًا خلقية فيعطي هذا مجالاً للفسخ وليس فقط للخلع وهذا يساعدنا أكثر على أن الطلاق ليس بهذه السهولة أو ليس ملكية شخصية للرجل إنما المرأة لها أيضًا حقوق.
أما في الغرب
فهناك جرائم مرتبة ومدروسة للإيقاع بالزوج والحصول على ممتلكاته مناصفة، وتكتب القصص والروايات في تلك المسألة وهم يصوغونها في أفلامهم، ومتى كان المعيار المادي هو أساس العلاقة بين الزوجين فهو المعيار الغربي، بينما قال نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم (تنكح المرأة لأربع لحسبها ولمالها وجمالها) ووضع معايير الاختيار وختمها بقوله: (فاظفر بذات الدين تربت يداك).
فالذي يتزوج ويعتبر قضية المعيار على أنها قضية مالية ويضع المعيار المادي أولاً فهو بذلك يكون مسقطًا للبعد الإنساني ومسقطًا لمعيار التقوى الذي يتحكم في الحياة الزوجية.
هذا بالنسبة للغرب أما هنا فأنا أردد ما قاله الشيخ/ عبد الحميد كشك رحمه الله بعد أن تكلم في حقوق المرأة وألزم الرجل بالمهر والنفقة، لولا أننا نؤمن بالعدالة الإلهية والسنن النبوية لقلنا إنها تحيزت للمرأة، لكن إيماننا بالله تعالى يجعلنا نستسلم لحكمته، أما ما يخالج بعضًا من المسلمين كالوساوس والشكوك تجاه الأحكام الشرعية فنتيجته الجهل.
لماذا ثلاث مرات ؟
وقد يتساءل البعض لماذا الطلاق ثلاث مرات وليس مرتين أو مرة واحدة؟ فنجيبه بأن يتساءل البعض الله سبحانه وتعالى لم يطلق مسمى (ميثاق غليظ) إلا على العقيدة، وعقد الزواج، فهذا العقد بلغ من شدته أن يكون بين طرفين من الخصوصيات ما لا يوجد إلا بينهما فقط، من بين كل الكائنات الأخرى بخصوصيات منها المادية ومنها النفسية، والغضب سكرة أثناء وقوع خلاف لذا فالله سبحانه الأعلم بنفوس عباده، أعطى الفرصة للإنسان حتى يفيق من سكرته وغضبه، بحيث يكون هناك فرصة تتدخل الحكمة ولم شمل الأسرة من جديد، أو لكي يفكر أحد الطرفين في التنازل، فإذا كان الدخول في الحياة الزوجية له تبعات فإن الطلاق كذلك له تبعات منها السمعة ومنها الأبناء ومنها الحالة النفسية المترتبة عليه وغيرها، فمن أجل هذه الموازنة جاءت الطلقة الأولى رجعية بحيث تظل الزوجة في بيت زوجها لا تغادره.
لأن العلاقة الزوجية مازالت قائمة، والثانية تسريح بإحسان والثالثة مسألة تأديبية لها وله، فلكي نعود إليه لابد من أن تتزوج رجلاً آخر أولاً زواجًا صحيحًا، وكل هذه الإجراءات الثقيلة البطيئة التي من شنها أن تبطئ عجلة الهدم السريع للأسرة التي هي اللبنة الأولى في قيام أي مجتمع.
وهي ما يطلقون عليه الاحترازات الوقائية المتبعة في علاج أي مشكلة حتى في القوانين الوضعية.
وليس معنى هذا أننا قد نعزز فكرة الإبقاء على الحياة الزوجية عن طريق الضغط من قبل الأقارب والأهل والوالدين بحجة أن الطلاق بغيض.
فالإبقاء المطلق مع الكراهية المتبادلة تدفع لخيانة الطرفين أحدهما للآخر، أو استخدام أساليب أشد لكي يتخلص أحدهما من الآخر: كالسم والقتل بسلاح حاد أو على الأقل ستكون حياة أشبه بالجحيم بينما كل طرف يتربص بالآخر، فإذا ما طالعنا السيرة نجد قصة النبي صلى الله عليه وسلم حينما ذهب لابنته فاطمة، وعلم منها أن عليًا في الخارج، وأنه غاضب من شيء ما.
فذهب الرسول صلى الله عليه وسلم فوجده مستلقيًا على جنبه ملتصقًا بالأرض بيده التراب فقال له: قم أبا تراب.
هكذا يكون الأسلوب، فالانفصال شيء فطري أسمته الشريعة الحلال البغيض، ولكنه يحقق العدالة.
أما عن واقعنا فحدث ولا حرج، فلا وجود لاحترام الشريعة في إجراءات الدخول في الزواج فلا تؤخذ شروط الزواج والاختيار الصحيح، ولا الفتاة تتزوج برضاها أحيانًا وهكذا تكون النتيجة الطلاق، وننسى أننا إذا أخذنا بالاحترازات الشرعية واستوفيناها، فستكون هي السبيل في إيجاد أسرة هادئة، وحتى ولو وقع طلاق.
فستكون هناك عدالة أدبية وشرعية واجتماعية، إذا قيل (لا تزوج ابنتك إلا لتقي إن أحبها حفظها وإن كرهها لم يظلمها).
وصدق الله سبحانه حين يقول : (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق)، وهناك سنن كونية وسنن اجتماعية، ومن جمال الشريعة أنها مع الزمن، يثبت لنا الواقع صحة أحكامها الشرعية، وبعد أكثر من 1400 عام أثبت الواقع العملي مطابقة أحكامها وتناسبها مع فطرة الإنسان، ففي إيطاليا حينما أبيح الطلاق بعد أن كان محرمًا حتى عام 1970م وفي عام 1971 تقدم أكثر من مليون طالب طلاق لم يقولوا نحن مع الإسلام، إنما لأن الحكم الشرعي في الإسلام اتضح مع الأيام أنه الأنسب لفطرة الإنسان.
ونود إثراء معلوماتكم حول ذلك بالدراسات التي تؤكد أن من أسباب الاكتئاب والتوتر التي قد تؤدي للطلاق في النهاية هو عدم الحوار مع أن لنا في رسولنا الكريم أسوة حسنة فقد كان دائم الحوار مع زوجاته ويداعبهن ويروي لهن النكات والحكايات.
وهمسة في أذن كل زوج في حالة الغضب وحدوث انفعال بوسعك أن تتلفظ بأي قول يمكنك التنازل عنه والتراجع فيه بعد، ولكن أرجوك أن تبتعد عن كلمة (طلاق) ومرادفاتها.
ولكل زوجة أقول: إذا غضبت وجاء البركان فلا تدخلي في دائرة التحدي، وتتفوهي بكلمات من شأنها أن تجرح كرامة الزوج، لو كنت رجلاً حقًا لطلقتني حالاً، وأرجوكما أن تفرغا معًا الشحنات الانفعالية بأي طريقة سوى الضرب والطلاق .